العنوانُ المفتاحُ - 26 يوليو 2017
2021-10-23 551
أكثرُ العناوينِ إنما تدلكَ على مضمونِ الكتابِ، وتوحي لك بما سيناقشه صاحبُهُ عبر صفحاته وفصوله، ولكنَّ ثمة عناوينَ نادرةً لديها القدرةُ على أن تُبحر بكَ في أفقٍ موازٍ للمضمونِ، حتى توشك أن تكون هي كتاباً بذاتها!
من هذه العناوين الموحيةِ العنوانُ الذي اختاره صاحبُ السموّ الملكي الأمير خالد الفيصل لمذكراتِهِ الشخصيةِ، فقد سماها: (إنْ لم ... فمن ... ؟!!).
والذي يقرأ الكتابَ ولاسيما قول سموِّهِ فيه: «يبدو أن التحدي هو قدري، ويعلم الله أني لم أبحث عنه، ولكنْ عندما قصدني لم أهرب منه»، يدرك أن هذا العنوان هو نصٌّ موازٍ للكتابِ، يكادُ يتضمَّن كل ما فيه من معانٍ شريفةٍ، فأنتَ إذا قرأتَ الكتابَ وما فيه من تجاربَ وحكاياتٍ ومواقفَ، وجدتَ روح التحدّي تتسلل إليك، فإذا بك تقول لنفسك: إنْ لم أفعلها فمن يفعلها؟ وإنْ لم أنجح فمن ينجحُ؟ وإنْ لم أتخطَّ هذه العقباتِ فمن يتخطاها؟ وإنْ لمْ أفزْ بهذا الكنز فمن يفوزُ به؟ وإنْ لم أحقق أهدافي فمن يحققها؟
وأظنُّ أن هذه (الشحنة النفسية الإيجابية) هي ما أراد سمو الأمير أن يوصله من خلال كتابه، فكتابه لم يكن حديثاً عن نفسه، بقدر ماكان كشفاً لما تعلمه واكتسبه في حياته الطويلة، وقد طرّز غلافه الخلفي بعبارةٍ بديعة نصها: «كتابٌ ليس فيه أنا»! ومن العجيب أن يكون كتابٌ في السيرة الذاتية ليس فيه (أنا)، ولكنّه حرصُ الكاتب على الخروج من الذات إلى الموضوع، ومن الشخص إلى الفكرة، ومن السَّرْدِ إلى العبرةِ.
يحكي سمو الأمير في هذا الكتاب حكايته مذْ وُلدَ على أرض مكة المكرمةَ إلى أنْ ولي إمارةَ مكةَ للمرةِ الثانية، مروراً بدراسته في الطائف والرياض وأمريكا ولندن، وعمله في رعاية الشباب ثم في إمارة عسير، إضافة إلى تجربته في مؤسسة الملك فيصل، ومؤسسة الفكر العربيّ، مع تطعيم ذلك كله بمقاطع من قصائده، وفقراتٍ من كلماتِهِ ومقالاتِهِ في المناسبات المختلفةِ. وقد صاغَ ذلك كله بلغةٍ سهلةٍ جميلةٍ سلسةٍ، فيها نفسُ الشعرِ، وروح الأدبِ.
ومما يمتاز به الكتابُ أنه يكشف جوانب مشرقة من حياةِ ملوكِ هذه البلادِ بدءاً من الملك المؤسس عبدالعزيز إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، فللكاتب مع كل واحدٍ منهم قصةٌ أو قصصٌ، ولاسيما مع والدِهِ الملك الشهيد فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله، وهذه المواقف التي حكاها المؤلفُ فيها من بيانِ حكمةِ هؤلاء الملوك وحسن تأتِّيهم ما ينفع القارئ فيما يستقبل من حياته وأموره ومواقفه.
وفي الجملةِ فإنَّ الكتابَ مليءٌ بالعبر، والدروس، والمواقف، والتحديات، والصعوبات، والأحاسيس والمشاعر، إنّه كوكبة متنوعةٌ من المعاني يتعانق فيه الفرح مع الحزن، والإخفاق مع النجاح، والألم مع الأمل، والتحدي مع الإنجاز. ويصدق عليه بذلك ما قاله مؤلفه عن نفسه:
قالوا: من أنت؟ قلت: مجموعة إنسانْ ... من كل ضد وضد تلقون فيني
فيني نهار وليل وأفراح وأحزانْ ... أضحك ودمعي حايرٍ وسط عيني
نصيحتي لكل من أراد استعراضَ تجربةٍ ثريةٍ غنية أن يقرأ هذا الكتاب .. وسيقول بعدها لنفسه: إنْ لم أكن أنا .. فمن أكون؟